يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله: ((صنف لهم ـ أي للصوفية ـ القشيري كتاب "الرسالة" فذكر فيها العجائب من الكلام والغناء والبقاء والقبض والبسط .... إلى غير ذلك من التخليط الذي ليس بشيء ، وتفسيره ـ لطائف الإشارات ـ أعجب منه)). (تلبيس إبليس: 165).
قلت: إليك بعض هذه التخليطات والعجائب:
فقد ورد فيها (صفحة 391) في ترجمة إبراهيم بن أدهم ((كان من أبناء الملوك , فخرج يوما يتصيد , فأثار ثعلبا أو أرنبا , وهو في طلبه , فهتف به هاتف: يا إبراهيم , ألهذا خلقت؟ أم بهذا أمرت ؟ ثم هتف به: ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت.
ورأى ـ إبراهيم بن أدهم ـ في البادية رجلاً علمه اسم الله الأعظم , فدعا به بعده فرأى الخضر عليه السلام , وقال: إنما علمك أخي داوود اسم الله الأعظم. قال إبراهيم بن بشار: صحبت إبراهيم بن أدهم فقلت أخبرني عن بدء أمرك فذكر هذا)).
وورد في ترجمة أبو يزيد البسطامي (صفحة 395) ((وسئل عند ابتدائه وزهده , فقال: ليس للزهد منـزلة , فقيل له: لماذا ؟ فقال: لأني كنت خلال ثلاثة أيام في الزهد , فلما كان اليوم الرابع خرجت منه , ففي اليوم الأول زهدت في الدنيا وما فيها , وفي اليوم الثاني زهدت في الآخرة وما فيها , وفي اليوم الثالث زهدت فيما سوى الله تعالى , فلما كان اليوم الرابع لم يبق لي سوى الله تعالى فَهِمْتُ , فسـمعت قائلا يقول: يا أبا يزيد لا تقو معنا , فقلت: هذا الذي أريد , فسمعت قائلا يقول: وجدت وجدت.
قيل لأبي يزيد: ما أشد ما لقيت في سبيل الله ؟ فقال: لا يمكن وصفه , فقيل له: ما أهون ما لقيت نفسك منك ؟ قال: أما هذا فنعم , دعوتها إلى شيء من الطاعات فلم تجبني فمنعتها الماء سنة)).
وورد في ترجمة سهل التستري (صفحة 400): ((خرجت إلى عبادان إلى رجل يعرف بأبي حبيب حمزة بن عبد الله العباداني فسألته عنها – أي مسألة وقعت له – فأجابني , وأقمت عنده مدة أنتفع بكلامه وأتأدب بآدابه , ثم رجعت إلى تستر , فجعلت قوتي اقتصارا على أن أشتري بدرهم من الشعير الفرق فيطحن ويخبز لي , فأفطر عند السحر كل ليلة على أوقية واحدة بحتا بغير ملح ولا أدم , فكان ذلك الدرهم يكفيني سنة , ثم عزمت على أن أطوي ثلاث ليال , أفطر ليلة , ثم خمسا , ثم سبعا. ثم خمسا وعشرين ليلة ـ هذا تدريج للمريد تسهيلاً لانتقاله من شيء إلى ما هو أولى منه ـ وسرت على هذا النظام عشرين سنة , ثم خرجت أسيح في الأرض سنين , ثم رجعت إلى تستر)).
وورد في ترجمة بشر الحافي (صفحة 404): ((وسمعت بلال الخواص يقول: كنت في تيه بني إسرائيل فإذا رجل يماشيني , فتعجبت منه , ثم ألهمت أنه الخضر عليه السلام فقلت له: بحق الحق من أنت ؟ فقال: أخوك الخضر. فقلت له: أريد أن أسألك. فقال: سل , فقلت: ماذا تقول في الشافعي رحمه الله تعالى ؟ فقال: هو من الأوتاد (هم الذين يحفظ بهم الدين والشافعي رضي الله عنه منهم) فقلت: ماذا تقول في أحمد بن حنبل رضي الله عنه ؟ قال: رجل صديق (أي نظرا لما قاساه من الضرب والهوان عندما طلب منه القول بخلق القرآن الكريم فأبى ولم ينطق بكلمة يتخلص بها مما هو فيه) قلت: فماذا تقول في بشر بن الحارث الحافي ؟ فقال: لم يخلق مثله بعده. فقلت: بأية وسيلة رأيتك ؟ فقال: ببرك لأمك)).
وورد في ترجمة أبي سليمان عبد الرحمن الداراني (صفحة 412): ((وقال أبو سليمان: كنت في ليلة باردة في المحراب ، فأقلقني البرد فخبأت إحدى يدي من البرد ، وبقيت الأخرى ممدودة فغلبتني عيناي ، فهتف بي هاتف: يا أبا سليمان ، قد وضعنا في هذه ما أصابها ، ولو كانت الأخرى لوضعنا فيها. فآليت على نفسي أن لا أدعو إلا ويداي خارجتان)).
وأورد (صفحة 412) في ترجمة أحمد بن محمد الدينوري (توفي بعد 340 هـ): ((وقال لقد نقضوا أركان التصوف , وهدموا سبيله , وغيروا معانيه بأسماء أحدثوها , فقد سموا الطمع زيادة , وسوء الأدب إخلاصا , والخروج عن الحق شطحا , والتلذذ بالمذموم طيبة , واتباع الهوى ابتلاء , والرجوع إلى الدنيا وصولا , وسوء الخلق صولة , والبخل جلادة , والسؤال عملا , وبذاءة اللسان ملامة.... وما كان هذا طريق القوم)).
وأورد (صفحة 416) في ترجمة أحمد بن محمد الروذاباري (توفي 322 هـ): ((وسئل أبو علي عن من يستمع للملاهي ويقول: هي لي حلال لأني وصلت إلى درجة لا تؤثر في اختلافات الأحوال, فقال: نعم , لقد وصل ولكن إلى سقر)).
وروى عن سهل بن عبد الله أنه قال: ((من زهد في الدنيا أربعين يوماً , صادقاً من قلبه مخلصاً في ذلك , ظهرت له الكرامات , و من لم تظهر له فلعدم الصدق في زهده. فقيل لسهل: كيف تظهر له الكرامة ؟ قال: يأخذ منها ما يشاء , كما يشاء , من حيث يشاء)). (صفحة 356)
رؤية الله بالأبصار:
وقال القشيري: ((فإن قيل: هل تجوز رؤية الله بالأبصار في الدنيا على وجه الكرامة ؟ فالجواب عنه: أن الأقوى فيه أنه لا يجوز , لحصول الإجماع عليه , ولقد سمعت الإمام أبا بكر بن فورك رضي الله عنه يروي عن أبي موسى الأشعري أنه قال: في ذلك قـولان , و ذلك في كتاب "الرؤية الكبير")). (صفحة 360)
وأورد (صفحة 169) ((قيل جاع أحمد النوري في البادية , فهتف به هاتف: أيهما أحب إليك سبب أو كفاية ؟ فقال: الكفاية , ليس فوقها نهاية , فبقي سبعة عشر يوماً لم يأكل)).
وقال القشيري (صفحة 172): ((يقول أبو سعيد الخراز: دخلت البادية مرة بغير زاد فأصابتني فاقة , فرأيت المرحلة من بعيد , فسررت بأني وصلت , ثم فكرت في نفسي أني سكنت و اتكلت على غيره , فآليت أن لا أدخل المرحلة إلا أن أحمل إليها , فحفرت لنفسي في الرمل حفرة , وواريت جسدي فيها إلى صدري , فسمعوا صوتاً في نصف الليل عالياً: يا أهل المرحلة إن لله تعالى ولياً حبس نفسه في هذا الرمل فالحقوه , فجاءني جماعة فأخرجوني وحملوني إلى القرية.
قال أبو حمزة الخراساني: حججت سنة من السنين , فبينما أنا أمشي في الطريق , إذ وقعت في بئر , فنازعتني نفسي أن أستغيث فقلت: لا و الله , لا أستغيث , فما استتممت هذا الخاطر , حتى مر برأس البئر رجلان , فقال أحدهما للآخر: تعال نسد رأس هذا البئر لئلا يقع فيه أحد , فأتوا بقصب وبارية وطموا رأس البئر , فهممت أن أصيح ثم قلت في نفسي: أصيح إلى من هو أقرب منهما وسكنت , فبينما أنا بعد ساعة إذا أنا بشيء جاء وكشف رأس البئر , وأدلى رجله وكأنه يقول لي: تعلق بي في همهمة له كنت أعرف ذلك منه , فتعلقت به فأخرجني فإذا هو سبع , فمر , وهتف بي هاتف: يا أبا حمزة أليس هذا أحسن , نجيناك من التلف بالتلف)).
وقال أيضاً (صفحة 179): ((يروى عن أبي جعفر الحداد قال: رآني أبو تراب النخشبي و أنا في البادية جالسا أمام بركة ماء , و لي ستة عشر يوما لم آكل و لم أشرب , فقال لي: ما جلوسك ؟ فقلت: أنا بين العلم واليقين أنتظر من يغلب فأكون معه , يعني: إن غلب العلم شربت , وإن غلب اليقين مررت . فقال: سيكون لك شأن)).
وقال القشيري (صفحة 181): ((قال إبراهيم الخواص: لقيت غلاما في التيه (اسم مكان) كأنه سبيكة فضة , فقلت: إلى أين يا غلام؟ فقال: إلى مكة حرسها الله , فقلت: هل تسير بلا زاد ولا راحلة ولا نفقة ؟ فقال لي: يا ضعيف اليقين , الذي يقدر على حفظ السموات والأرض , ألا يقدر أن يوصلني إلى مكة المكرمة بلا علاقة؟ قال: فلما دخلت مكة المكرمة حرسها الله فإذا أنا به في الطواف)).
وأورد أيضاً (صفحة 182): ((يقول إبراهيم الخواص: طلبت المعاش لأكل الحلال , فاصطدت السمك , و ذات يوم وقعت في الشبكة سمكة فأخرجتها و طرحت الشبكة في الماء فوقعت فيها سمكة أخرى فرميت بها ثم عدت , فهتف بي هاتف: لم تجد معاشاً إلا أن تأتي من يذكرنا فتقتلهم , قال: فكسرت القصبة و تركت الصيد)).
وأورد أيضاً (صفحة: 77): ((قال ذو النون المصري: التوكل ترك التدبير والانخلاع من الحول والقوة، وقال إبراهيم الخواص: لقيني الخضر عليه السلام فسألني الصحبة ، فخشيت أن يفسد عليّ توكلي بسكوني إليه ففارقته)).
وحكى القشيري (صفحة 92) عن أبي بكر الوراق قوله: ((آفة المريد ثلاث: التزوج وكتابة الحديث والأسفار. وذكر أن أحد الصوفية سئل عن سوء أدب الفقير – أي الصوفي – فقال: انحطاطه من الحقيقة إلى العلم)).