]
بسم الله الرحمن الرحيم
مذكرات برهاني سابق1
اذا كنت قد انتميت في سابق أيامي الى طريقة صوفية هي الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية فليعلم القارئ أن سبب ذلك هو الأمية الدينية ، فرغم أنني تخرجت في الجامعة إلا أن ما حصلته من علوم الاسلام في مراحل الدراسة المختلفة لا يزيد على معرفة بعض آيات أو سور من القرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض الآداب الاسلامية....ولأن درجات مادة الدين في الامتحانات العامة لا تضم الى دراجات المواد الأخرى فلذلك كنت كسائر زملائي لا نهتم كثيرا بمادة الدين وخاصة أنه كان يدرس لنا بطريقة جافة تباعد بيننا وبين التجاوب العملي مع ما يقدم لنا من معلومات دينية....وبعد التخرج في الجامعة كانت العزلة بيننا وبين الدين قد أصبحت عزلة كاملة لأن ما لدينا من حصيلة علمية دينية قد تبخر...فلا غرابة اذن لهذه الأمية الدينية.
ولولا بقية من دين كانت جذورها الأولى من البيت ما عرفت الطريق الى المسجد...فخلاصة الأمر أنني كنت مسلما لا يعرف من دينه الا انني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأقيم الصلاة وأصوم رمضان، وأعامل الناس معاملة طيبة ولا أتعمق في علوم الإسلام شأني في ذلك شأن العوام من المسلمين .
وذات يوم جاءني صديق وأخبرني أنه قد تعرف على أناس طيبين يجتمعون في دار لهم بحي الحسين في القاهرة يلقون دروسا في الدين ليعلموا الناس كيفية الوصول إلى الله عن طريق شيخهم، ودعاني إلى الذهاب معه فذهبت وقوبلت منهم بالترحيب كعضو جديد في جماعتهم وجاء أحد شيوخي ليلقي درسا على رواد الدار الحاضرين... وكان موضوع الدرس هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبدأت أسمع الشيخ كلاما لم أسمعه من قبل حتى رسخ في اعتقادي أنني جاهل تماما وأنه يجب علي ألا أناقش أو أجادل في شيء مما أسمع حتى لا يظهر جهلي أمام هؤلاء الحاضرين .
قال الشيخ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أصل الوجود، وكان دليله على ذلك _كما زعم_ من القرآن والسنة . ففي القرآن استشهد بقول الله تبارك وتعالى : (( والفجر وليال عشر * والشفع والوتر * والليل إذا يسر * هل في ذلك قسم لذي حجر )) فقال أن الفجر هو حالة قبضة نور النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن الليالي العشر هي الحجب العشر التي تنقل فيها نوره صلوات الله وسلامه عليه وهي حجب الجلال التي كان النور ينتقل فيها من مرتية إلى مرتبة .هذه هي الليالي العشر ، أما ((الشفع)) _ كما قال الشيخ_ فهو وجود الحقيقة الأحمدية في الحقيقة المحمدية . وبالطبع كنت وأنا أستمع لهذا الدرس لأول مرة لا أعلم ماهي الحقيقة الأحمدية أو الحقيقة المحمدية ولم أشأ أن أسأل فاستمر الشيخ في شرحه فقال أن الوتر ((الوتر)) في هذه الآية هو جمع الحقيقتين في واحدية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أي ذاته اذ أن الوتر هو واحد الثلاثة ثم قال أن هناك أصلا ينص على (( أن الله فرد يحب الفرد، وأن الله وتر يحب الوتر، وأن الله جميل يحب الجمال ))وشرح ذلك أن الفردية أشارة إلى الحقيقة الأحمدية ، والوترية إشارة إلى الحقيقة المحمدية ، والجمال إشارة إلى الذات المحمدية .... إلى أن قال : اذ هو لاهوت الجمال وناسوت الوصال صلى الله عليه وسلم .
ورغم أنني لم أسترح _بفطرتي_ الى عبارات ((واحد الثلاثة)) و ((لاهوت)) و ((ناسوت)) إلا أنني كنت أقول في نفسي أنني جاهل بالدين وعلي أن أسمع دون اعتراض . فاستمر الشيخ في تقديم الأدلة المزعومة من القرآن على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصل الوجود فشرح قول الله تعالى: (( قل إن كان للرحمن زلد فأنا أول العابدين)) فقال في شرحه أن ((أول العابدين)) تعني أن نور النبي صلى الله عليه وسلم هو أول شيء في الوجود وأن هذا النور قام بأداء كل أنواع العبادات لله تبارك وتعالى في الحجب العشرة التي أشار اليها في تفسير آية (( والفجر وليال عشر)) .
ولما أحسست بغرابة هذا الشرح ذهبت في يوم آخر إلى إحدى المكتبات العامة التي يمكن للمرء أن يقرأ فيها ما يريد وطلبت تفسيرا للقرآن وسألني المشرف على قسم الكتب الدينية بالمكتبة: أي تفسير تريد ؟ فأخبرته أني لا أعلم شيئا عن كتب التفسير ولكنني أريد أن أبحث عن تفسير لاحدى الآيات وهي قوله تعالى ((قل ان كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين)) فاذا بهذا الأخ الفاضل يعاونني ويقدم لي مجلدين أحدهما من تفسير أسمه (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي) والآخر من تفسير أسمه (تفسير القرآن العظيم لابن كثير) وعاونني كذلك بأن فتح لي كل مجلد على الصفحة التي بها هذه الآية الكريمة، وأخذت أقرأ فاذا بي أقف على معاني مخالفة لما قاله الشيخ في تفسيره. وملخص ما قيل في تفسير الآية : إن ثبت لله ولد فأنا أول من يعبد ولده ، ولكن يستحيل أن يكون له ولد . ورأي آخر يقول: المعنى إن كان للرحمن ولد فأنا أول من عبده على أن له ولدا ، ورأي ثالث يقول : إن كان له ولد كنت أول من يعبده وحده على أن له ولدا ، ولكن لا ينبغي ذلك .... وآراء أخرى قرأتها في هذين المرجعين لا تخرج عن هذه المعاني. وأخذت أفكر في كلمة ((أول العابدين)) وتذكرت أننا عندما كنا طلابا في المدرسة وتجري لنا الامتحانات كانوا يرتبون الطلبة حسب درجاتهم فيصفون الذي حصل على أكبر الدرجات بأنه ((أول الصف)) وهذه الأولية لها معنى محدد ... فلم يكن الأول أول الطلبة حضورا في المدرسة ولم يكن أول من ينصرف منها بعد انتهاء اليوم الدراسي، ولم يكن أول من قدرم أوراق قبوله إلى المدرسة في أول العام.... وانما كانت الأولية في مجموع درجاته بالنسبة لزملاءه وأقرانه ، وأخذت أحدث نفسي لماذا لا تكون ((أول العابدين)) بالنسبة لرسول الله تعني أكثر العابدين عبادة لله عز وجل .
المهم في هذه القضية أنني لم أقتنع بهذا التفسير الذي قدمه الشيخ في درسه بدار الطريقة البرهانية ولم أجد ما يؤيده في المراجع التي قدمت لي بالمكتبة . ولكني رغم هذا لا أستطيع أن أجادل الشيخ ولا أحاوره أولا لأن أحدا من الحاضرين لا يناقش ولا يجادل وثانيا وهو الأهم بالنسبة لي أنني لا أريد أن أشعر بالحرج لو ظهر جهلي بالدين أمام الحاضرين .
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.مذكرات برهاني سابق1
اذا كنت قد انتميت في سابق أيامي الى طريقة صوفية هي الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية فليعلم القارئ أن سبب ذلك هو الأمية الدينية ، فرغم أنني تخرجت في الجامعة إلا أن ما حصلته من علوم الاسلام في مراحل الدراسة المختلفة لا يزيد على معرفة بعض آيات أو سور من القرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض الآداب الاسلامية....ولأن درجات مادة الدين في الامتحانات العامة لا تضم الى دراجات المواد الأخرى فلذلك كنت كسائر زملائي لا نهتم كثيرا بمادة الدين وخاصة أنه كان يدرس لنا بطريقة جافة تباعد بيننا وبين التجاوب العملي مع ما يقدم لنا من معلومات دينية....وبعد التخرج في الجامعة كانت العزلة بيننا وبين الدين قد أصبحت عزلة كاملة لأن ما لدينا من حصيلة علمية دينية قد تبخر...فلا غرابة اذن لهذه الأمية الدينية.
ولولا بقية من دين كانت جذورها الأولى من البيت ما عرفت الطريق الى المسجد...فخلاصة الأمر أنني كنت مسلما لا يعرف من دينه الا انني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأقيم الصلاة وأصوم رمضان، وأعامل الناس معاملة طيبة ولا أتعمق في علوم الإسلام شأني في ذلك شأن العوام من المسلمين .
وذات يوم جاءني صديق وأخبرني أنه قد تعرف على أناس طيبين يجتمعون في دار لهم بحي الحسين في القاهرة يلقون دروسا في الدين ليعلموا الناس كيفية الوصول إلى الله عن طريق شيخهم، ودعاني إلى الذهاب معه فذهبت وقوبلت منهم بالترحيب كعضو جديد في جماعتهم وجاء أحد شيوخي ليلقي درسا على رواد الدار الحاضرين... وكان موضوع الدرس هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبدأت أسمع الشيخ كلاما لم أسمعه من قبل حتى رسخ في اعتقادي أنني جاهل تماما وأنه يجب علي ألا أناقش أو أجادل في شيء مما أسمع حتى لا يظهر جهلي أمام هؤلاء الحاضرين .
قال الشيخ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أصل الوجود، وكان دليله على ذلك _كما زعم_ من القرآن والسنة . ففي القرآن استشهد بقول الله تبارك وتعالى : (( والفجر وليال عشر * والشفع والوتر * والليل إذا يسر * هل في ذلك قسم لذي حجر )) فقال أن الفجر هو حالة قبضة نور النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن الليالي العشر هي الحجب العشر التي تنقل فيها نوره صلوات الله وسلامه عليه وهي حجب الجلال التي كان النور ينتقل فيها من مرتية إلى مرتبة .هذه هي الليالي العشر ، أما ((الشفع)) _ كما قال الشيخ_ فهو وجود الحقيقة الأحمدية في الحقيقة المحمدية . وبالطبع كنت وأنا أستمع لهذا الدرس لأول مرة لا أعلم ماهي الحقيقة الأحمدية أو الحقيقة المحمدية ولم أشأ أن أسأل فاستمر الشيخ في شرحه فقال أن الوتر ((الوتر)) في هذه الآية هو جمع الحقيقتين في واحدية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أي ذاته اذ أن الوتر هو واحد الثلاثة ثم قال أن هناك أصلا ينص على (( أن الله فرد يحب الفرد، وأن الله وتر يحب الوتر، وأن الله جميل يحب الجمال ))وشرح ذلك أن الفردية أشارة إلى الحقيقة الأحمدية ، والوترية إشارة إلى الحقيقة المحمدية ، والجمال إشارة إلى الذات المحمدية .... إلى أن قال : اذ هو لاهوت الجمال وناسوت الوصال صلى الله عليه وسلم .
ورغم أنني لم أسترح _بفطرتي_ الى عبارات ((واحد الثلاثة)) و ((لاهوت)) و ((ناسوت)) إلا أنني كنت أقول في نفسي أنني جاهل بالدين وعلي أن أسمع دون اعتراض . فاستمر الشيخ في تقديم الأدلة المزعومة من القرآن على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصل الوجود فشرح قول الله تعالى: (( قل إن كان للرحمن زلد فأنا أول العابدين)) فقال في شرحه أن ((أول العابدين)) تعني أن نور النبي صلى الله عليه وسلم هو أول شيء في الوجود وأن هذا النور قام بأداء كل أنواع العبادات لله تبارك وتعالى في الحجب العشرة التي أشار اليها في تفسير آية (( والفجر وليال عشر)) .
ولما أحسست بغرابة هذا الشرح ذهبت في يوم آخر إلى إحدى المكتبات العامة التي يمكن للمرء أن يقرأ فيها ما يريد وطلبت تفسيرا للقرآن وسألني المشرف على قسم الكتب الدينية بالمكتبة: أي تفسير تريد ؟ فأخبرته أني لا أعلم شيئا عن كتب التفسير ولكنني أريد أن أبحث عن تفسير لاحدى الآيات وهي قوله تعالى ((قل ان كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين)) فاذا بهذا الأخ الفاضل يعاونني ويقدم لي مجلدين أحدهما من تفسير أسمه (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي) والآخر من تفسير أسمه (تفسير القرآن العظيم لابن كثير) وعاونني كذلك بأن فتح لي كل مجلد على الصفحة التي بها هذه الآية الكريمة، وأخذت أقرأ فاذا بي أقف على معاني مخالفة لما قاله الشيخ في تفسيره. وملخص ما قيل في تفسير الآية : إن ثبت لله ولد فأنا أول من يعبد ولده ، ولكن يستحيل أن يكون له ولد . ورأي آخر يقول: المعنى إن كان للرحمن ولد فأنا أول من عبده على أن له ولدا ، ورأي ثالث يقول : إن كان له ولد كنت أول من يعبده وحده على أن له ولدا ، ولكن لا ينبغي ذلك .... وآراء أخرى قرأتها في هذين المرجعين لا تخرج عن هذه المعاني. وأخذت أفكر في كلمة ((أول العابدين)) وتذكرت أننا عندما كنا طلابا في المدرسة وتجري لنا الامتحانات كانوا يرتبون الطلبة حسب درجاتهم فيصفون الذي حصل على أكبر الدرجات بأنه ((أول الصف)) وهذه الأولية لها معنى محدد ... فلم يكن الأول أول الطلبة حضورا في المدرسة ولم يكن أول من ينصرف منها بعد انتهاء اليوم الدراسي، ولم يكن أول من قدرم أوراق قبوله إلى المدرسة في أول العام.... وانما كانت الأولية في مجموع درجاته بالنسبة لزملاءه وأقرانه ، وأخذت أحدث نفسي لماذا لا تكون ((أول العابدين)) بالنسبة لرسول الله تعني أكثر العابدين عبادة لله عز وجل .
المهم في هذه القضية أنني لم أقتنع بهذا التفسير الذي قدمه الشيخ في درسه بدار الطريقة البرهانية ولم أجد ما يؤيده في المراجع التي قدمت لي بالمكتبة . ولكني رغم هذا لا أستطيع أن أجادل الشيخ ولا أحاوره أولا لأن أحدا من الحاضرين لا يناقش ولا يجادل وثانيا وهو الأهم بالنسبة لي أنني لا أريد أن أشعر بالحرج لو ظهر جهلي بالدين أمام الحاضرين .
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة .