قال الجنيد : سيد الطائفة
(الصوفية أهل بيت واحد لا يدخل فيهم غيرهم).
الحقيقة الصوفية
الفصل الأول
مذهب واحد
لا يوجد إلا صوفية واحدة، غايتها واحدة، وحقيقتها واحدة (وسنرى أن طريقتها واحدة) منذ أن وجدت الصوفية حتى النهاية، وإن اختلفت الأسماء، وهذه براهين من أقوال عارفيهم (وصاحب البيت أدرى بما فيه):
قال أبو نصر السراج الطوشي (صاحب اللمع، الكتاب الأم في التصوف):
...لأن علم الحقائق ثمرة العلوم كلها، ونهاية جميع العلوم، وغاية جميع العلوم إلى علم الحقائق، إذا انتهى إليها وقع في بحر لا غاية له، وهو علم القلوب، وعلم المعارف، وعلم الأسرار، وعلم الباطن، وعلم التصوف، وعلم الأحوال، وعلم المعاملات، أي ذلك شئت فمعناه واحد.
ويقول أبو طالب المكي.
...فأما المعرفة الأصلية التي هي أصل المقامات ومكان المشاهدات، فهي عندهم واحدة؛ لأن المعروف بها واحد، والمتعرف عنها، إلا أن لها أعلى وأول، فخصوص المؤمنين أعلاها، وهي مقامات المقربين، وعمومهم أولها، وهي مقامات الأبرار، وهم أصحاب اليمين.
ويقول أبو حامد الغزالي:
...فأما العلم الحقيقي الذي هو الكشف والمشاهدة بنور البصيرة، فكيف يكون حجاباً وهو منتهى المطلب... [وعبارة (منتهى المطلب) تعني بوضوح أن لا غاية غيره].
ويقول ابن عربي (الشيخ الأكبر) :
...وينكرون الذوق؛ لأنهم ما عرفوه من نفوسهم، مع كونهم يعتقدون في نفوسهم أنهم على طريق واحدة، وكذلك هو الأمر، أصحاب الأذواق على طريق واحدة بلا شك، غير أن فيهم البصير والأعمى والأعمش، فلا يقول واحد منهم إلا ما أعطاه حاله، لا ما أعطاه الطريق، ولا ما هو الطريق عليه في نفسه
ويقول ابن البنا السرقسطي مذاهب الناس على اختلاف ومذهب القوم على ائتلاف.
يشرح ابن عجيبة هذا البيت فيقول:
...يقول (أي: ابن البنا): ثم تقوم الحجة الدالة على أنهم على المحجة والطريق المستقيم، بشيئين:..بخلاف مذهب الصوفية، فهي متفقة في المقصد والعمل وإن اختلفت المسالك.. فمرجع كلام القوم في كل باب لأحوالهم، وإلا فلا تنافي بين أقوالهم لمن تأملها، وذلك بخلاف مذهب غيرهم، والوجه فيه أن الحق واحد وطريقه واحدة وإن اختلفت مسالكها، فالنهاية واحدة، والذوق واحد، وفي معنى ذلك قال قائلهم:
الطرق شتى وطريق الحق واحدة والسالكون طريق الحق أفراد
ومذهب الصوفية هو الاتفاق في الأصول والفروع، أما الأصول فنهايتهم الشهود والعيان، وهم متفقون فيه لأنه أمر ذوقي لا يختلف.
ويقول عبد الرزاق القاشاني في شرحه على فصوص الحكم:
...يعني أن الطريق والغاية كلاهما واحدة في الحقيقة، وهو الحق، فالعارف يدعو على بصيرة من اسم إلى اسم.
ويقول أحمد الصاوي المالكي الخلوتي:
...وإنما العارفون تنافسوا في محبة الله ورسوله؛ فمنهم من طلب الوصال بالتغزل في الوسيلة، كالبرعي والبوصيري، ومنهم من طلبه بالتغزل في المقصد كابن الفارض وأمثاله، ومنهم من تغزل في المقامين كسيدي علي وفا، ومقصد الجميع واحد...[يعني بقوله (الوسيلة): محمداً صلى الله عليه وسلم].
ويقول سيدي محمد كنسوس (تيجاني):
...فاعلموا أيدكم الله أَن طرق المشايخ -رضوان الله عليهم- كلها أَبواب مفتوحة إِلى حضرة مولانا الكريم، وهى بمنزلة الطرق المحسوسة المؤدية إِلى محل واحد، وهي مع ذلك مختلفة في القرب والبعد والسهولة والصعوبة والأمن والخوف...
وقال شاعرهم:
عباراتنا شتى وحسنك واحد وكل إلى ذاك الجمال يشير
ويقول محمود أَبو الفيض المنوفي:
...وِاذا فني العبد عن الأغيار، كملت معرفته لبقائه مع الحق...وإذا وصل من المعرفة إِلى هذا الحد من التمكن شارف عين الجمع -أي: الحقيقة- وصار الجمع له حالًا...وهذا المعنى هو مرمى نظر الصوفية، وكل ما صنفوه ودونوه وامروا به ونهوا عنه في أقوال وأفعال وأحوال، إِنما هي وسائل إِلى هذا المقصد الشريف، والمقام المنيف..
ويقول عبد القادر عيسى:
...وإن الطريق واحدة في حقيقتها، وإن تعددت المناهج العملية، وتنوعت أساليب السير والسلوك، تبعاً للاجتهاد وتبدل المكان والزمان، ولهذا تعددت الطرق الصوفية، وهي في ذاتها وحقيقتها وجوهرها واحدة ...
ويقول عبد الحليم محمود (الشيخ الأكبر) شيخ الجامع الأزهر:
وفي الناس من يرى أن التصوف مذاهب وفرق وطوائف، ولكن هذا التفكير المنحرف تأتى إِلى القائلين به من نظرتهم إلى علم الكلام وإلى الفلسفة؛ ففي علم الكلام: أشاعرة ومعتزلة ومشبهة، وفي الفلسفة: أرسطيون وإِفلاطونيون وديكارتيون...
والنفوس مهيأة لقبول فكرة الطوئف في جميع العلوم النظرية؛ ولقد خلط الكاتبون بين هذه الدراسات والتصوف، فزعموا أن في التصوف مذاهب وفرقاً وطوائف ولو أمعنوا النظر، لعرفوا أن التصوف تجربة روحية، وليس نظراً عقلياً، وإذا كان النظر العقلي يفرق الناظرين إلى طوائف وفرق، فإن التجربة لا يختلف فيها اثنان؛ وإذا كانت الفلسفة، لأنها نظر عقلي، مذاهب متعددة، فإن التصوف، وهو تجربة، مذهب واحد لا تعدد فيه ولا خلاف.
وكما أنه لا يستساغ الخلط بين الوسائل والغايات في أي ميدان من الميادين، فإنه لا يجوز أن يستساغ الخلط بين طرق التصوف، وهي وسائل، وبين الغاية، وهي التصوف نفسه، فطرق التصوف متعددة مختلفة، وبعضها أوفق من بعض، وبعضها أسرع من بعض، ولكنها على اختلافها وتعددها، تؤدي إلى هدف واحد وغاية واحدة.
التصوف إذن مذهب «بصيغة المفرد» لا مذهب «بصيغة الجمع»( ).
هذه أقوال لبعض كبار القوم، نخلص منها إلى أن للصوفية عقيدة واحدة يدين بها كل المتصوفة قديمهم وحديثهم، وأن الطرق الصوفية (كالشاذلية والرفاعية والقادرية والخلوتية والنقشبندية واليشرطية والمولوية والبكطاشية والتجانية وغيرها وغيرها، وإن اختلفت أسماؤها، فهي كلها تؤدي إلى هدف واحد هو العقيدة الصوفية الواحدة.
فما هي هذه العقيدة؟
سيظن الكثيرون -بناء على ما تقدم- أنه يكفي لدراسة الصوفية أن ندرس عقيدة صوفي واحد، كالغزالي مثلاً، أَو ابن عربي، أو ابن عجيبة، أو غيره، ثم نطلق حكماً بكل ثقة واطمئنان على جميع المتصوفة، وإن حكمنا سيكون علمياً صحيحاً.
فنقول: هذا صحيح كل الصحة من الناحية العلمية، ولكننا إمام جماعة باطنية لهم عقيدة سرية، استهوت عقولهم ونفوسهم واستحوذت عليها، فلا يهتدون سبيلًا إِلا سبيلها، وهم يدافعون عنها بكل ما لديهم من إِمكانيات وبالمراوغات والمغالطات واللف والدوران وجميع الأساليب اللاعلمية واللاأخلاقية!
وكمثل على ذلك: إِنهم يعلمون يقيناً وخاصة الواصلون منهم أن الصوفية هي كفر وزندقة بالنسبة للشريعة الإسلامية، ومع ذلك فهم يكتمون هذه الحقيقة ويشيعون بين الناس أن الصوفية هي قمة الإسلام والإيمان وهي منتهى التقى والورع، وهي مقام الِإحسان!
وقد انطلت هذه الخدعة على الناس وصدقوها، حتى لو قلت لأحدهم: إِن الصوفية زندقة، لثار عليك واتهمك الاتهامات التي لا تخطر لك على بال، رغم أَنه ليس صوفيًّا، ولكنه اقتنع بالخدعة وانجرت عليه ذيولها.
تأليف/ محمود عبد الرءوف القاسم
(الصوفية أهل بيت واحد لا يدخل فيهم غيرهم).
الحقيقة الصوفية
الفصل الأول
مذهب واحد
لا يوجد إلا صوفية واحدة، غايتها واحدة، وحقيقتها واحدة (وسنرى أن طريقتها واحدة) منذ أن وجدت الصوفية حتى النهاية، وإن اختلفت الأسماء، وهذه براهين من أقوال عارفيهم (وصاحب البيت أدرى بما فيه):
قال أبو نصر السراج الطوشي (صاحب اللمع، الكتاب الأم في التصوف):
...لأن علم الحقائق ثمرة العلوم كلها، ونهاية جميع العلوم، وغاية جميع العلوم إلى علم الحقائق، إذا انتهى إليها وقع في بحر لا غاية له، وهو علم القلوب، وعلم المعارف، وعلم الأسرار، وعلم الباطن، وعلم التصوف، وعلم الأحوال، وعلم المعاملات، أي ذلك شئت فمعناه واحد.
ويقول أبو طالب المكي.
...فأما المعرفة الأصلية التي هي أصل المقامات ومكان المشاهدات، فهي عندهم واحدة؛ لأن المعروف بها واحد، والمتعرف عنها، إلا أن لها أعلى وأول، فخصوص المؤمنين أعلاها، وهي مقامات المقربين، وعمومهم أولها، وهي مقامات الأبرار، وهم أصحاب اليمين.
ويقول أبو حامد الغزالي:
...فأما العلم الحقيقي الذي هو الكشف والمشاهدة بنور البصيرة، فكيف يكون حجاباً وهو منتهى المطلب... [وعبارة (منتهى المطلب) تعني بوضوح أن لا غاية غيره].
ويقول ابن عربي (الشيخ الأكبر) :
...وينكرون الذوق؛ لأنهم ما عرفوه من نفوسهم، مع كونهم يعتقدون في نفوسهم أنهم على طريق واحدة، وكذلك هو الأمر، أصحاب الأذواق على طريق واحدة بلا شك، غير أن فيهم البصير والأعمى والأعمش، فلا يقول واحد منهم إلا ما أعطاه حاله، لا ما أعطاه الطريق، ولا ما هو الطريق عليه في نفسه
ويقول ابن البنا السرقسطي مذاهب الناس على اختلاف ومذهب القوم على ائتلاف.
يشرح ابن عجيبة هذا البيت فيقول:
...يقول (أي: ابن البنا): ثم تقوم الحجة الدالة على أنهم على المحجة والطريق المستقيم، بشيئين:..بخلاف مذهب الصوفية، فهي متفقة في المقصد والعمل وإن اختلفت المسالك.. فمرجع كلام القوم في كل باب لأحوالهم، وإلا فلا تنافي بين أقوالهم لمن تأملها، وذلك بخلاف مذهب غيرهم، والوجه فيه أن الحق واحد وطريقه واحدة وإن اختلفت مسالكها، فالنهاية واحدة، والذوق واحد، وفي معنى ذلك قال قائلهم:
الطرق شتى وطريق الحق واحدة والسالكون طريق الحق أفراد
ومذهب الصوفية هو الاتفاق في الأصول والفروع، أما الأصول فنهايتهم الشهود والعيان، وهم متفقون فيه لأنه أمر ذوقي لا يختلف.
ويقول عبد الرزاق القاشاني في شرحه على فصوص الحكم:
...يعني أن الطريق والغاية كلاهما واحدة في الحقيقة، وهو الحق، فالعارف يدعو على بصيرة من اسم إلى اسم.
ويقول أحمد الصاوي المالكي الخلوتي:
...وإنما العارفون تنافسوا في محبة الله ورسوله؛ فمنهم من طلب الوصال بالتغزل في الوسيلة، كالبرعي والبوصيري، ومنهم من طلبه بالتغزل في المقصد كابن الفارض وأمثاله، ومنهم من تغزل في المقامين كسيدي علي وفا، ومقصد الجميع واحد...[يعني بقوله (الوسيلة): محمداً صلى الله عليه وسلم].
ويقول سيدي محمد كنسوس (تيجاني):
...فاعلموا أيدكم الله أَن طرق المشايخ -رضوان الله عليهم- كلها أَبواب مفتوحة إِلى حضرة مولانا الكريم، وهى بمنزلة الطرق المحسوسة المؤدية إِلى محل واحد، وهي مع ذلك مختلفة في القرب والبعد والسهولة والصعوبة والأمن والخوف...
وقال شاعرهم:
عباراتنا شتى وحسنك واحد وكل إلى ذاك الجمال يشير
ويقول محمود أَبو الفيض المنوفي:
...وِاذا فني العبد عن الأغيار، كملت معرفته لبقائه مع الحق...وإذا وصل من المعرفة إِلى هذا الحد من التمكن شارف عين الجمع -أي: الحقيقة- وصار الجمع له حالًا...وهذا المعنى هو مرمى نظر الصوفية، وكل ما صنفوه ودونوه وامروا به ونهوا عنه في أقوال وأفعال وأحوال، إِنما هي وسائل إِلى هذا المقصد الشريف، والمقام المنيف..
ويقول عبد القادر عيسى:
...وإن الطريق واحدة في حقيقتها، وإن تعددت المناهج العملية، وتنوعت أساليب السير والسلوك، تبعاً للاجتهاد وتبدل المكان والزمان، ولهذا تعددت الطرق الصوفية، وهي في ذاتها وحقيقتها وجوهرها واحدة ...
ويقول عبد الحليم محمود (الشيخ الأكبر) شيخ الجامع الأزهر:
وفي الناس من يرى أن التصوف مذاهب وفرق وطوائف، ولكن هذا التفكير المنحرف تأتى إِلى القائلين به من نظرتهم إلى علم الكلام وإلى الفلسفة؛ ففي علم الكلام: أشاعرة ومعتزلة ومشبهة، وفي الفلسفة: أرسطيون وإِفلاطونيون وديكارتيون...
والنفوس مهيأة لقبول فكرة الطوئف في جميع العلوم النظرية؛ ولقد خلط الكاتبون بين هذه الدراسات والتصوف، فزعموا أن في التصوف مذاهب وفرقاً وطوائف ولو أمعنوا النظر، لعرفوا أن التصوف تجربة روحية، وليس نظراً عقلياً، وإذا كان النظر العقلي يفرق الناظرين إلى طوائف وفرق، فإن التجربة لا يختلف فيها اثنان؛ وإذا كانت الفلسفة، لأنها نظر عقلي، مذاهب متعددة، فإن التصوف، وهو تجربة، مذهب واحد لا تعدد فيه ولا خلاف.
وكما أنه لا يستساغ الخلط بين الوسائل والغايات في أي ميدان من الميادين، فإنه لا يجوز أن يستساغ الخلط بين طرق التصوف، وهي وسائل، وبين الغاية، وهي التصوف نفسه، فطرق التصوف متعددة مختلفة، وبعضها أوفق من بعض، وبعضها أسرع من بعض، ولكنها على اختلافها وتعددها، تؤدي إلى هدف واحد وغاية واحدة.
التصوف إذن مذهب «بصيغة المفرد» لا مذهب «بصيغة الجمع»( ).
هذه أقوال لبعض كبار القوم، نخلص منها إلى أن للصوفية عقيدة واحدة يدين بها كل المتصوفة قديمهم وحديثهم، وأن الطرق الصوفية (كالشاذلية والرفاعية والقادرية والخلوتية والنقشبندية واليشرطية والمولوية والبكطاشية والتجانية وغيرها وغيرها، وإن اختلفت أسماؤها، فهي كلها تؤدي إلى هدف واحد هو العقيدة الصوفية الواحدة.
فما هي هذه العقيدة؟
سيظن الكثيرون -بناء على ما تقدم- أنه يكفي لدراسة الصوفية أن ندرس عقيدة صوفي واحد، كالغزالي مثلاً، أَو ابن عربي، أو ابن عجيبة، أو غيره، ثم نطلق حكماً بكل ثقة واطمئنان على جميع المتصوفة، وإن حكمنا سيكون علمياً صحيحاً.
فنقول: هذا صحيح كل الصحة من الناحية العلمية، ولكننا إمام جماعة باطنية لهم عقيدة سرية، استهوت عقولهم ونفوسهم واستحوذت عليها، فلا يهتدون سبيلًا إِلا سبيلها، وهم يدافعون عنها بكل ما لديهم من إِمكانيات وبالمراوغات والمغالطات واللف والدوران وجميع الأساليب اللاعلمية واللاأخلاقية!
وكمثل على ذلك: إِنهم يعلمون يقيناً وخاصة الواصلون منهم أن الصوفية هي كفر وزندقة بالنسبة للشريعة الإسلامية، ومع ذلك فهم يكتمون هذه الحقيقة ويشيعون بين الناس أن الصوفية هي قمة الإسلام والإيمان وهي منتهى التقى والورع، وهي مقام الِإحسان!
وقد انطلت هذه الخدعة على الناس وصدقوها، حتى لو قلت لأحدهم: إِن الصوفية زندقة، لثار عليك واتهمك الاتهامات التي لا تخطر لك على بال، رغم أَنه ليس صوفيًّا، ولكنه اقتنع بالخدعة وانجرت عليه ذيولها.
تأليف/ محمود عبد الرءوف القاسم
عدل سابقا من قبل Admin في الإثنين أغسطس 16, 2010 6:42 am عدل 3 مرات